سيناء - مستقبل المصريين

سيناء - مستقبل المصريين

الخميس، 14 مارس 2013

العودة للتاريخ


قد تبدو مفيدة عند نقاش قضية آنية، بالإشارة إلى أن مثل هذه الخطة الإسرائيلية وضعت عام 2004، عندما اتبعت سياسة "الضم الزاحف" لقطاع غزة باتجاه مصر، إما بإلحاقه كاملاً بها، أو تخصيص بعض أراضيها لحلّ مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والسكانية.
ويتمثل ذلك بإضافة 600 كم من شمال سيناء لقطاع غزة لبناء ميناء ومطار، ومدينة يسكنها مليون فلسطيني، مقابل منح مصر 150 كم من النقب الجنوبي، وتقديم مساعدات دولية لها، وفتح نفق يمرّ عبر إيلات لربط الأردن بمصر برياً، فيما تمنح إسرائيل 600 كم من الضفة الغربية لاستقرار حدودها والدفاع عنها.
ومما قد يجعل إسرائيل تنجح بتسويق خطتها تجاه غزة الآن، مسألة التساوق مع قضية "الحرب على الإرهاب"، وترديد مزاعم بأن التنظيمات المسلحة التابعة للقاعدة لديها تواجد واضح في سيناء، وتصل غزة بسهولة، فيما تستطيع حماس الحصول على ما تريده من أسلحة وذخيرة ومتفجرات وتدريبات، ومع حرية الدخول من غزة إلى سيناء، تزيد احتمالات الهجمات المسلحة ضد إسرائيل نظراً لطول الحدود بينهما.
ومع ذلك، فإن بعض المحاذير الأمنية لهذه الخطة من شأنها تقييد وتقليص حرية التحرك الإسرائيلي استراتيجياً ضد غزة، بفعل تسلم مصر أي دور مباشر على أراضي القطاع، ورغم أنه في صالح إسرائيل ألا تعود مسئولة عن الأمور المعيشية للفلسطينيين هناك.
إلا أن ذلك في الوقت نفسه سيحرمها من القدرة على مراقبة حركة الحدود بين غزة ومصر، كل ذلك يؤكد أن نقل غزة إلى المسئولية المصرية هو مصلحة إسرائيلية، من خلال المسئوليات والضغوط الديموغرافية إليها.
وقد كان "دان ديكر" مدير مركز الشؤون المعاصرة ومحلل السياسة الخارجية في مركز القدس للشؤون العامة، الأكثر وضوحاً حين قال أن إزالة هذه الأنفاق "تحت الأرض" بين غزة وسيناء يعتبر تحركاً مصرياً استراتيجياً مدروساً، لأن الفلسطينيين سيستطيعون الآن عبر المعابر الرسمية "فوق الأرض" حماس، الوصول إلى السوق المصرية.
وقد يكون تلميحاً إلى عزمهم التخلي نهائياً عن الشيكل الإسرائيلي لفتح باب التجارة الكاملة مع مصر، واستخدام الجنيه، واستيراد النفط والسلع والبضائع عبر الأراضي المصرية، بعد أن أثبتت حماس أنها مسئولة بشكل كامل ومستقل عن أرض وشعب، دون أي منازع على السلطة هناك، معلقة على خطوة إزالة الأنفاق بالقول أن الحدود المفتوحة بين غزة ومصر تمثل حلماً قديماً للإخوان المسلمين في المنطقة كلها.
مع العلم أن استبدال الأنفاق الأرضية بين غزة وسيناء بإدخال البضائع بصورة علنية من مصر، قد يمكن إسرائيل أن تستكمل عملية فك ارتباطها عن غزة التي باشرتها في أيلول 2005، وتغلق حدودها مع غزة نهائياً، فتمنع دخول وخروج الأفراد والبضائع والسلع التجارية، بعد أن شهدت العقود السابقة، مفاوضات بين مصر وإسرائيل حول كيفية إدارة غزة خلال اتفاقية "كامب ديفيد.
لكن الرئيس المصري آنذاك أنور السادات رفض تولي مسؤولية القطاع، مصرّا بأن يتم إنشاء مركز أو مكتب للبعثة المصرية في غزة فقط لا أكثر، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذ "مناحيم بيغن"، رفض الطلب المصري أيضاً.
واليوم قد تضطر مصر، كما تعتقد أوساط سياسية في تل أبيب، في حال إقفال الحدود بين إسرائيل وغزة، إلى لعب دور الراعية الأمنية للقطاع، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أنها قادرة على توفير المواد الغذائية والخدمات لأهالي القطاع، بجانب تزويدهم بالوقود والماء والكهرباء ومواد البناء.
ومع ذلك، فإن هناك جملة من التبعات لتعديل العلاقات بين مصر وغزة على إسرائيل، بجانب مخاطر محتملة تهدد العلاقات المصرية الإسرائيلية، وفي حال اضطرار مصر إلى تحمل مسؤولية قطاع غزة، يغدو على إسرائيل أن تقيّم جيدا أي رد عسكري تريد القيام به ضد الأعمال المسلحة التي تقوم بها حماس من القطاع، أي أن حرية التحرك الإسرائيلية استراتيجياً قد تتقلص بفعل تسلم مصر أي دور مباشر على أراضي غزة.
هنا يبدو قراءة موقف حماس بصورة مثيرة فعلاً، لأنها أكدت في غير مرة أن النظام المصري السابق هو الذي يحاصر غزة من خلال إغلاق الأنفاق في بعض الأحيان، وشنت عليه حملات إعلامية ودعائية، في حين أنها التزمت الصمت، أو عبرت على استحياء عن موقفها المعارض لقرار مصر اليوم بذات الخطوات، بل إن الخطوات هذه الأيام أشد وأكثر إيلاماً.
ومع ذلك، فإن الحركة ليست غافلة عن أن هذه الإجراءات تتم من قبل الدولة المصرية المحكومة من قبل الإخوان المسلمين، وهو ما يجعلها في حالة حرج شديد أمام جمهورها المحاصر في غزة.
أخيراً..فإن كل ما ورد من تفسيرات ميدانية وتحليلات عملياتية لإغلاق الأنفاق بين غزة وسيناء، دفعت بارتفاع المزيد من الأصوات الإسرائيلية المطالبة بتوسيع قطاع غزة جنوباً نحو مناطق سيناء والعريش والشيخ زويد، تطبيقاً للانفصال النهائي عنه، وإقامة حدود ثابتة غير قابلة للاختراق، وما يتطلبه ذلك من تفعيل لمعبر رفح قدر الإمكان ليستجيب لاحتياجات الغزيين، بما يتطلب من مصر إزالة جميع المظاهر غير القانونية في المناطق المذكورة، وعلى رأسها الأنفاق الحدودية!

*دراسة أعدها الدكتور عدنان أبو عامر، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة-فلسطين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق